الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.ما هو الشهر القمري؟ يعرف الشهر لغة بأنه مدة مشهورة بإهلال الهلال، وقيل: الشهر القمر، سمي بذلك لشهرته وظهوره؛ وقيل: هو العدد المعروف من الأيام، يشهر بالقمر، وفيه علامة ابتدائه وانتهائه؛ والجمع أشهر وشهور؛ والعرب تقول: رأيت الشهر، أي: رأيت هلاله.وقال الإمام الرازي: وأما الشهر فهو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص إلي أن يعود إلي تلك النقطة.هذا، وقد ذكرت لفظة الشهر بالإفراد في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة، جاء نصفها تماما بالصيغة المعرفة الشهر، والنصف الآخر بالصيغة غير المعرفة شهر أو شهرا.كما جاءت الإشارة إلي الشهر بالتثنية شهرين مرتين، وبالجمع سبع مرات، احداها بالصيغة المعرفة الشهور، والباقي بالصيغة غير المعرفة أشهر.ويعرف الشهر القمري فلكيا بأنه دورة القمر حول الأرض، منسوبة إلي موقع الشمس في صفحة السماء، وهي دورة معقدة يدخل فيها دوران القمر حول الأرض، ودورانه مع الأرض حول الشمس، ومع باقي أفراد المجموعة الشمسية حول مركز المجرة، وما فوق ذلك من حركات لايعلمها إلا الله تعالى.ولتباين سرعة كل دورة من هذه الدورات في جريها الحقيقي، وفي حركاتها الظاهرية التي نراها بها من علي سطح الأرض فإن الحركة الظاهرية للشمس تبدو لنا أسرع من الحركة الظاهرية للقمر، وإن كان لكل منهما مداره المحدد الخاص به.ونتيجة لهذه الحركات المتعددة فإن القمر يمر بين الأرض والشمس فيكون وجهه المنير في اتجاه الشمس، ووجه المظلم في اتجاه الأرض، وتسمي هذه المرحلة باسم مرحلة المحاق أو مرحلة الاقتران؛ وبمجرد خروج القمر عن هذا الوضع يبدأ أهل الأرض في رؤية حافته المنيرة التي تؤذن بميلاد شهر قمري جديد.وبتواصل دوران القمر حول الأرض تزداد مساحة الجزء المنير من سطحه المواجه لنا فيتحرك من الهلال الوليد إلي الهلال المتنامي، إلي التربيع الأول، إلي الأحدب المتنامي إلي البدر الكامل، ثم تبدأ مساحة الجزء المنير من سطح القمر المواجه لنا في التناقص التدريجي حتي المحاق، ويمر خلال فترة التناقص تلك بمراحل الأحدب المتناقص، ثم التربيع الثاني، ثم الهلال المتناقص إلي المحاق ليختتم شهرا قمريا، ويؤذن بميلاد شهر جديد مع هلال وليد جديد.والقمر يدور حول نفسه، وحول الأرض بنفس السرعة المتوسطة المقدرة بنحو كيلومتر واحد في الثانية، فيواجه الأرض دائما بوجه واحد،، وبذلك يصبح يوم القمر شهرا قمريا كاملا نصفه ليل، ونصفه نهار، وتفصل بين هذين النصفين دائرة قريبة من الدائرة العظمي تعرف باسم دائرة النور، كما تفصل بين مايري ومالايري من سطح القمر دائرة أخري تعرف باسم دائرة الرؤية؛ وهاتان الدائرتان تنطبقان في مرحلتي البدر الكامل (الاستقبال)، والمحاق (الاقتران أوالاجتماع)، وتتقاطعان بزوايا مختلفة في المراحل المتوسطة بين هذين الحدين؛ وتنشأ عن تطابقهما وتقاطعهما الأشكال المختلفة لوجه القمر المواجه للأرض: من المحاق إلي البدر الكامل، ومنه إلي المحاق الذي يليه. فعند تطابق دائرتي النور والرؤية في وضع الاقتران يكون القمر في المحاق، وفي وضع الاستقبال يكون القمر في البدر الكامل، وعند تقاطع هاتين الدائرتين فإننا نري جزءا من نصف القمر المنير، وجزءا من نصفه المظلم، ويبقي القمر في مرحلة الهلال المتنامي الذي يزداد حجمه بالتدريج حتي يصل إلي مرحلة التربيع الأول في اليوم السابع من الشهر القمري، ثم إلي مرحلة الأحدب المتنامي بعد مضي أحد عشر يوما من بدء الشهر القمري، ويصل إلي البدر الكامل بعد مضي أربعة عشر يوما أو نحوها من بداية الشهر القمري، ويصل إلي مرحلة الأحدب المتناقص بعد انقضاء أربعة أيام تقريبا علي مرحلة البدر، وبعد مضي 22 يوما تقريبا من الشهر القمري يصل إلي مرحلةالتربيع الثاني، وفي الأيام الثلاثة التي تلي التربيع الثاني يصل القمر إلي مرحلة الهلال المتناقص، وفي آخر يوم من الشهر القمري يكون القمر قد أصبح بين الأرض والشمس علي استقامة واحدة فيدخل في مرحلة الاظلام الكامل أو المحاق، والمراحل الرئيسية في هذه الدورة التربيع الأول، البدر الكامل، التربيع الثاني، المحاق التي يستمر كل منها قرابة الأيام السبعة كانت أساس تقسيم الشهر القمري إلي أربعة اسابيع.وفي دورة القمر حول الأرض فإنه يمر عبر برج من بروج السماء الإثني عشر في كل شهر حتي يعود إلي البرج الذي بدأ به مع فروق تقدر بنحو 11 يوما، وبذلك تتحدد سنة كاملة.كذلك يمر القمر في كل ليلة بمكان معين من البرج الشهري، وينسب هذا المكان إلي عدد من النجوم التي تبدو ظاهريا أنها قريبة من القمر، وتعرف هذه المواقع باسم منازل القمر أي أماكن وجود القمر في كل ليلة من ليالي الشهر القمري بالنسبة إلي نجم معين أو مجموعة نجمية محددة؛ وعدد هذه المنازل ثمانية وعشرون منزلا بعدد الليالي التي يري فيها القمر، ومتوسط مدة كل منها 13 يوما بالنسبة إلي السنة الشمسية..ما هي السنة القمرية؟ تعرف السنة القمرية بالفترة الزمنية التي يتم فيها القمر اثنتي عشرة دورة كاملة حول الأرض؛ وتستغرق هذه الفترة (354.37 يوم) لأن متوسط عدد الأيام في كل شهر قمري هو نحو (29.53 يوم)، ولما كانت كسور الأيام لاتدخل في حساب الشهور، ولا في حساب السنين اعتبرت السنة القمرية مساوية للرقم الصحيح (354 يوما)، وتعرف بالسنة القمرية البسيطة، وتتجمع الكسور لتتم يوما كاملا مرة كل ثلاث سنوات تقريبا تصبح مدة السنة القمرية فيها (355 يوما)، وتعرف باسم السنة القمرية الكبيسة، وتظهر 11 مرة في كل 30 سنة تقريبا.والتعبير اللغوي سنة مستمد من (سنا)، (سنيو)، بمعني دار يدور حتي يعود إلي مكانه الأول، وكذلك تعبير الحول مستمد من حال يحول، وهو بنفس المعني، كما أن السنة هي أول السن..ما هي السنة الشمسية؟ السنة الشمسية تحددها دورة كاملة للأرض حول الشمس، وتقسم هذه السنة بواسطة بروج السماء الاثني عشر إلي اثني عشر شهرا، كما يمكن أن تقسم بواسطة إثنتي عشرة دورة كاملة للقمر حول الأرض بفرق يقدر بنحو الأحد عشر يوما، وهو الفرق بين السنتين الشمسية والقمرية، لأن السنة الشمسية يقدر زمنها بنحو 365.25 يوم، بينما يقدر زمن السنة القمرية بنحو 354 يوما..ما هو الشهر الشمسي؟ يقوم حساب الشهور الشمسية أساسا علي مراقبة بروج السماء الاثني عشر الرئيسية، وهذه البروج هي تجمعات من النجوم تمر بها الأرض في دورتها السنوية حول الشمس، وتبدو هذه البروج من فوق سطح الأرض بأشكال محددة تميز برجا عن الآخر؛ ودائرة البروج هي مسار الشمس السنوي بين النجوم كما يظهر لنا من علي سطح الأرض؛ وهي في حركتها الظاهرية لنا تبدو وكأنها تمر باثني عشر برجا تسمي باسم منازل الشمس، وتبقي في كل واحد منها نحو الشهر، ثم تعود في نهاية السنة الشمسية إلي البرج الذي بدأت منه، وهكذا دواليك. وهذه البروج هي: الجدي، الدلو، الحوت، الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد، العذراء، الميزان، العقرب، والقوس؛ مبتدئين بالأول من شهر يناير، ومنتهين بشهر ديسمبر تقريبا، وإن سميت تلك البروج بأسماء مختلفة في الدول المختلفة.الشهور في القرآن الكريم هي الشهور القمرية الآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها تؤكد أن الشهر المقصود في القرآن الكريم هو الشهر القمري، وكذلك العديد من الآيات الأخري في كتاب الله، والشهور القمرية عرفتها أغلب الحضارات القديمة كما استخدمها العرب قبل بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وكان هذا من بقايا وحي السماء الذي توارثوه عن كل من نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل (علي نبينا وعليهما من الله السلام).ويؤكد هذا أن جميع التكاليف الشرعية قد ربطها الشارع الحكيم بالأهلة؛ وعلي ذلك فإن السنة المعتبرة في الإسلام هي السنة القمرية، وأن الشهور المعتبرة هي الشهور القمرية.كذلك كان من تراث النبوة أن العرب قبل بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم كانوا يعظمون الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب حتي في زمن شركهم وجاهليتهم. ومعروف شرعا أن المعصية في هذه الشهور تلقي عقابا من الله أشد، كما أن الطاعة تلقي أجرا أعظم وثوابا أكثر من بقية شهور السنة، وعلي المسلمين اليوم إدراك ذلك ومتابعته كي تتعزز مكانة هذه الأشهر الحرم في قلوبهم وعقولهم فتتحقق الحكمة من قول ربنا (تبارك وتعالى): {فلاتظلموا فيهن أنفسكم}.ويأتي بعد ذلك أن القمر هو أقرب أجرام السماء إلينا، وحركاته هي أكثر حركات أي جرم من الأجرام الكونية وضوحا لنا، وضبط الأزمنة به أحكم من ضبطها بأي وسيلة كونية أخري.وتبقي الحكمة الإلهية واضحة جلية بوجود هذا الفارق الزمني الطفيف بين السنتين الشمسية والقمرية حتي لاترتبط العبادات الشرعية بظروف مناخية محددة علي مدار الزمن، بل تتحرك مع فصول السنة ومناخاتها المتباينة، فتؤدي في كل من الحر والقمر، وفي طول أي من النهار والليل أو قصره، ومع ذلك فلايوجد مايمنع من اعتبار كل من الشهور القمرية والسنة القمرية جنبا إلي جنب مع السنة الشمسية التي تحددها دورة الأرض حول الشمس دورة كاملة في كل اثنتي عشرة دورة كاملة للقمر حول الأرض، مع حساب الفارق المقدر بأحد عشر يوما بينهما، بدلا من استخدام أسماء الشهور الميلادية، وأغلبها من الوثنيات القديمة.وبذلك تكون السنة الإسلامية شمسية قمرية تحدد السنة فيها دورة كاملة للأرض حول الشمس، وتقسم هذه السنة إلي اثني عشر شهرا دورة القمر حول الأرض في اثنتي عشرة دورة كاملة مع حساب الفوارق.من أوجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة بتحديد الآية الكريمة التي نحن بصددها عدة الشهور عند الله باثني عشر شهرا تحديد للسنة القمرية كما هو تحديد للسنة الشمسية فكلاهما مكون من هذا العدد من الشهور علي الرغم من تأكيد القرآن الكريم علي الشهور القمرية ومن ثم علي السنة القمرية.وسنة أي كوكب هي الفترة الزمنية التي يستغرقها ليتم دورة كاملة حول النجم الذي يتبعه، وهو يجري في مدار محدد حول ذلك النجم، وبمتوسط سرعة محدد كذلك. ويحدد سنة الكوكب، كما يحدد متوسط سرعة جريانه عاملان ضابطان مهمان: هما طول مدار الكوكب حول النجم ويحدده متوسط نصف قطر هذا المدار، وكتلة الكوكب بالنسبة إلي كتلة النجم وكلاهما مرتبط بقوة الجاذبية بين كل من النجم والكوكب الذي يدور حوله.ومدار كل الاجرام المعروفة لنا مثل مدار كل من القمر حول الأرض، والأرض حول الشمس هو مدار إهليلجي (بيضاوي) الشكل، علي شكل القطع الناقص، ومن قوانين الحركة في مدار القطع الناقص خضوع السرعة المحيطية لقانون تكافؤ المساحات مع الزمن، وهذا القانون يحتم اختلاف مقدار السرعة علي طول المحيط، فعندما يقترب القمر من الأرض، أو يقتربان معا من الشمس لابد من أن تزداد سرعة كل منهما المحيطية حتي تزداد بالتبعية قوة الطرد المركزي علي كل منهما، وإلا انهار هذا النظام بالكامل بارتطام القمر بالأرض، أو باندفاعهما معا إلي سعير الشمس.وبالمقابل فعندما يبتعد القمرفي مداره عن الأرض، أو يبتعدان معا عن الشمس، فإن السرعة المحيطية لكل منهما لابد وأن تتناقص بنسب محددة حتي تقل قوة الطرد المركزي لكل منهما، وإلا انفلت القمر من عقال جاذبية الأرض، أو انفلتا معا من عقال جاذبية الشمس فيضيعان في فسحة الكون.والإشارة القرآنية الكريمة إلي ثبات عدة الشهور باثني عشر شهرا منذ خلق الله السماوات والأرض تأكيد ضمني علي انضباط كتل، وأحجام، وأبعاد وسرعات الأرض، وجميع أجرام السماء منذ اللحظة الأولي للخلق، وإلي أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وإلا لانهار بناء الكون. وفي انضباط هذه المسافات ضبط لكميات الطاقة التي تصل من النجم إلي كل كوكب يدور في فلكه مثل الأرض، ولو زادت كمية الطاقة التي تصلنا من الشمس، ولو قليلا لاحرقتنا ولأحرقت كل ما حولنا، ولو قلت قليلا لجمدتنا، وجمدت كل شيء حولنا.ولذلك يشير القرآن الكريم إلي هذه الحقائق التي لم تدرك إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين. كما يشير في مقام آخر إلي أن أولي بوادر انهاء النظام الكوني هو انفلات القمر من عقال جاذبية الأرض، ووقوعه في جحيم الشمس، فقال عز من قائل: وجمع الشمس والقمر، وقد ثبت أن بوادر ذلك قد ظهرت في قدر من التباعد بين القمر والأرض.فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم أنزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله، ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تلقاه، والحمد لله رب العالمين. اهـ.
|